غفلة الآباء

غفلة الآباء
كان " مازن" نجم كرة السلة ضمن منتخب المحافظة ،ثم حالفه التوفيق ففاز بجائزة افضل لاعب في المحافظة،وحين دعي لاستلام جائزته ،ابتسم ابتسامة عريضة،ومشي بخطوات سريعة الي منتصف القاعة.
ولم يحاول تصفح وجوه الحاضرين بحثا عن أبويه ،لانه كان يعرف انهما لن يكونا موجودين.
اذ لم يكونا موجودين في يوم من الايام عند حاجته اليهما .
فقد كان والده رجل اعمال كثير .وكانت أمه طبيبة مولدة ،وكانا موضع احترام وتقدير كبيرين في المجتمع.
لكن كان " مازن" يغادر البيت الي المدرسة في معظم الايام دون رؤية والديه.
وكثيرا ماكان يذهب الي المطبخ ليعد عشاءه بنفسه.
وقد قال يوما في حديثه لراعي الكنيسة انه علي الارجح قد يموت دون ان يكتشف والده جثته،الا بعد ان تبدأ في التعفن ،وتملأ رائحتها النتنة البيت.
يمكن ان يظهر الإهمال في اشكال كثيرة،وعلي مستويات مختلفة من الشدة.
ويعتبر معظم الخبراء ان الإهمال هو عدم الاهتمام بالحاجات الاساسية للطفل او الشاب( أي الطعام،والمأوي ،والملبس ،والعلاج ،والتعليم ..الي غير ذلك ).
واقسي شكل من اشكال الاهمال بطبيعة الحال هو حين يتعرض الطفل للأذي الجسدي،او يموت بسبب قلة التغذية او الاشراف او الرعاية الصحية.
اسباب غفلة الآباء
ان مسئوليات الأب او الأم صعبة.فما أصعب الاهتمام بمطالب الحياة الكثيرة حتي بدون اطفال ،ويري اشخاص كثيرون ان إيلاء اهتمام وعناية مناسبين لطفل او اكثر _بالاضافة الي المسئوليات الكبيرة للزواج والعمل _مهمة مستحيلة تقريبا .
بعضهم ينجح بشكل يدعو للإعجاب ،لكن كثيرين منهم يفشلون لأسباب مختلفة ،منها:
١_الفقر
ان اكثر الأسباب الشائعة للإهمال هو الفقر .فالفقر موجود في حالات كثيرة يعاني فيها الطفل او الشاب من عدم الاهتمام .
ويزيد احتمال الإهمال او عدم الاهتمام في الاسباب المرتبطة بالفقر ،مثل البيوت التي لايوجد فيها الا احد الابوين ،ووجود اشقاء كثيرين وغياب التعليم.
ويوجد بالإضافة الي ذلك احساس عام باليأس في الأحياء القليلة الدخل. وغالبا مايفتقر الآباء الي المعرفة او الإرادة اللازمة لممارسة دور أبوي هادف.
٢_اسلوب الحياة المتسم بالحركة الدائمة
غالبا مايتم تسديد الحاجات الاساسية لشباب الطبقتين المتوسطة والعليا من طعام ومأوي وتعليم وملبس.
غير أنه غالبا ايضا مايجري اهمال هؤلاء الشباب الذين ينتمون الي عائلات ذات دخول اعلي بطرق مختلفة.
فقد يتضورون جوعا الي الحنان،والحب ،والإحساس باهتمام آبائهم بهم اذ تعاني عائلات الطبقتين المتوسطة والعليا كثيرا من " اسلوب الحياة المتسم بالحركة الدائمة ".
حيث يشبه اسلوب حياة الوالدين قاطرة سريعة تسابق الزمن .
وهما يجاهدان في مواجهة تحديات عمليهما،وكنيستهما ، ومجتمعهما .بينما ينتهي المطاف بالأبناء بأن يحسوا بأنهم مهملون ، وبأنه مامن احد ينتبه لوجودهم.
يحس الابوان احيانا بالضغط في هذا العمل السريع الحركة ،ولهذا يترك بعض الشباب للاهتمام بأنفسهم وباحتياجاتهم بعد المدرسة فترة تمتد الي المساء.
وقد يجعلهم هذا يحسون بالوحدة ،واحيانا بالخوف .
كما يمكن ان يفتح هذا الامر المجال لمتابعة اهتمامات غير حكيمة وغير صحية.
٣_التفسخ العائلي
يسبب انفصال الأبوين ،ووجود احدهما فقط في البيت ضغطا نفسيا هائلا عليهما.
وقد يطغي الألم والغضب ،اللذان يحس بهما الأب او الأم بسبب الانفصال،علي احتياجات الطفل للحزن علي خسارة حدثت في العائلة.
ويحدث احيانا كثيرة بعد الانفصال ان احد الابوين يترك وحده للقيام بمسئولية الأبوين تجاه ابنائه.
وقد توجد في نفس الوقت أعباء مالية اضافية ،ومسئولية بدء عمل جديد.وهذه أمور من شأنها أن تلهي الأب ( او الأم) وتجعل الاهتمام بالشاب امرا مستحيلا.
٤_كثرة الإخوة والأخوات
ان وجود إخوة وأخوات كثيرين يصعب علي الأبوين الاهتمام الكافي بكل طفل .
انه لأمر أشبه بالمستحيل ان يتلقي كل فرد اهتماما فرديا كافيا في عائلة كبيرة العدد.
ومن الصعب ان يقوم الأبوان بمتابعة اهتمامات كل فرد .
٥_انشغال الأبوين
يميل الآباء الي إهمال ابنائهم اذا انشغلوا بأي شيء،خاصة بتقدمهم الاجتماعي.
٦_المرض العقلي
قد يؤدي فصام الشخصية او الاكتئاب الهوسي  الي عدم اهتمام الآباء بأبنائهم .
٧_الأنانية
يحث مجتمع اليوم الرجال والنساء علي الحصول علي كل شيء ،وعلي ان يعيش الفرد الحياة كما يحلو له.
ان هناك ميلا عاما لدي الآباء الذين يتبنون عقلية " الحصول علي كل شيء" الي اهمال الحاجات العاطفية لأبنائهم ،ووضع حاجاتهم الخاصة ( عن وعي او دون وعي) قبل حاجات ابنائهم .
٨_الافتقار الي المهارات الابوية
لايأتي الأطفال ومعهم كتيب إرشاد الآباء لطريقة التعامل معهم .
ويعترف تقريبا كل الآباء والأمهات الذين انجبوا لأول مرة انه مامن شيء كان بإمكانهم من ان يستعدوا استعدادا كافيا لمطالب الأبوة ( او الامومة).
ويناضل بعض الآباء والأمهات ( خاصة الذين ضرب لهم آباؤهم وامهاتهم مثلا في الاساليب والمهارات المتعلقة بتربيتهم ) ويعملون وينجحون اخيرا في تطوير مهارات،لاتسدد حاجات ابنائهم الجسدية فحسب ،بل حاجاتهم العاطفية ايضا.
عواقب غفلة الآباء
إنه لأمر محتمل ان يحس الشاب الذي يهمله والده بالألم ،والاحباط والغضب الذي ينتج عنه احيانا الاهتياج الشديد او المرارة.
بالإضافة الي مشاعر عدم الأمان والوحدة.
وقد تتسبب ردود الفعل هذه في احداث آثار كثيرة ومتنوعة .
١_التقدير المتدني للذات
عندما يهمل أحد الوالدين شابا ،أو حين يحس الشاب بعدم المبالاة ،فربما ينشأ لديه إحساس بعدم الجدارة أو الاستحقاق.
٢_التحصيل الدراسي السيء
توجد صلة قوية بين اشتراك الأبوين في حياة ابنائهما ،وبين التحصيل الدراسي ،وحين يتباعد الأبوان عن ابنائهما ،فستهبط درجاتهم .
٣_سوء اختيار الاصدقاء
ربما يكون الآباء الغافلون هم آخر من يعلم ان ابنهم قد اختار شلة غير مناسبة للاختلاط بها.
فالشاب ( او الشابة) الذي يحس بأن أبويه غير مبالين به،ولايرعيانه ،يكون علي الأرجح يائسا في سعيه الي القبول.
وغالبا مايجد هذا القبول بالطرق الخاطئة ،ومع المجموعة الخاطئة .
٤_المهارات الاجتماعية السيئة
يبدأ الأبناء أول استكشاف اجتماعي لهم في العائلة،ويقومون ببناء وتنمية الثقة بأنفسهم، وكذا تنمية مهارات يمتدون بها الي بقية العالم .
وعندما لايتواجد الآباء،او لايبدون اهتماما بالشاب لإقامة علاقة معه ،فسيؤثر هذا سلبا علي تطوره الاجتماعي.
٥_العجز عن الارتباط بالآخرين
إن مسألة الارتباط وإقامة علاقة مع الآخرين ،هي قضية جوهرية في اهميتها لتطور الإنسان ونموه.
وحين لايكون الشاب قد ارتبط بعلاقة صحية مع أبوية من خلال صرف الوقت معهم ، والتفاعل الشخصي والتلامس ،فلابد ان تعاق قدرته علي الارتباط بعلاقات مع الآخرين.
ومن شأن هذا أن يؤثر سلبا علي صداقاته ،وعلي زواجه ، وفي نهاية المطاف علي علاقاته بأبنائه .
٦_السلوك المتسم بالتمرد
لابد ان يحاول الشباب الذين يحسون بأنهم مهملون أن يلفتوا الانتباه إليهم .وهم يعتبرون ان الاهتمام السلبي بهم افضل من غياب الانتباه او الاهتمام .
وعندما يحقق الانتباه السلبي نتائجه المطلوبة،فسيتبع ذلك مزيد من السلوك السلبي.
فقد يتمرد شاب بإيجاد طريقة من أجل إحراج أحد أبويه أمام اصدقائه، وقد يشترك الشاب في نشاط إجرامي.
٧_تعاطي المخدرات والخمر
يحتمل أن يلجأ الشباب المهملون الي تعاطي المخدرات والكحول الآن لديهم وقتا كبيرا لايخضعون فيه للإشراف.
٨_السقوط في الدنس
يملك الشباب الذين يهملهم آباؤهم ، او لايهتمون بهم دافعا قويا ( البحث عن الاهتمام والحب .. الي غير ذلك).
وفرصة سانحة ( حيث يوجد لديهم وقت فراغ كبير ونشاطات دون إشراف ) للتنفيس عن احباطاتهم ، والسعي الي اشباع حاجاتهم من خلال السلوك في الرذيلة والسقوط في الدنس.
يقدم لنا الوحي الإلهي نموذجا للتربية الأبوية المتسمة بالتقوي ،فيقول :" لتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم علي قلبك ،وقصها علي اولادك ،وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم " ( تث٦: ٦_٧).
ان النموذج الذي يقدمه الله للتربية الأبوية هو نموذج يختص بالعلاقة، أي أن تتم التربية من خلال علاقة صحية سليمة.
إذ يأمر الله الأبوين بإعالة ابنائهما .لكنه يأمرهما ان يفعلا ذلك ضمن علاقة:عندما نجلس ، وعندما نمشي، وعندما ننام ، وعندما نقوم .
وهذا الاهتمام بالعلاقة هو بطبيعة الحال نقيض اهمال الوالدين .
ولقد جعل الرب يسوع نفسه مثالا للاهتمام بالاطفال ورعايتهم .
فقد احتشدت زمرة من الاطفال حول يسوع.
وكان آباء كثيرون منهم هم الذين يدفعونهم نحوه.
لكن التلاميذ أرادوا ان يصرفوهم بعيدا، ظانين ربما ان لدي الرب يسوع امورا اكثر اهمية تتعلق بالكبار ليتعامل معها .
لكنه قال لتلاميذه :" دعوا الاولاد يأتون إلي ولاتمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله "( مر١٠: ١٤).
من الواضح ان الله يعرف المطالب والصراعات الكثيرة التي تنشأ في مجالات العيش والعمل ،والمسئولية الأبوية .ولهذا السبب اوصي الابناء ان يكرموا آباءهم وأمهاتهم ( خر ٢٠: ١٢) واوصي الآباء ألا يغيظوا أبناءهم ( اف٦: ٤).
ربي وإلهي
_اطلب اليك من كل قلبي ان تحقق وعدك لكل عائلة ..
الوعد الذي قطعته مع شعبك.. حيث وعدت بأن " ترد قلب الآباء علي الابناء وقلب الأبناء علي آبائهم "( ملا٤: ٦).
                                يارب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نبات الزوفا

انا بكره امى 1

مكرم اسكندر