ابى أعظم منى

قداسة البابا شنودة الثالث :
سؤال : ما معنى الآية التي تقول : "أبي أعظم مني"؟!
الإجابة :
هذه الآية لا تدل على إن الآب أعظم من الابن ، لأنهما واحد في الجوهر والطبيعة واللاهوت .
وأحب إن أبيِّن هنا خطورة إستخدام الآية الواحدة .
فالذي يريد إن يستخرج عقيدة من الإنجيل ، يجب إن يفهمه ككل، ولا يأخذ آية واحدة مستقلة عن باقي الكتب ، ليستنتج منها مفهومًا خاصًا يتعارض مع روح الإنجيل كله ، ويتناقض مع باقي الإنجيل!
ويكفي هنا إن نسجل ما قاله السيد المسيح :
"أنا والآب واحد" (يو 30:10) .
واحد في اللاهوت ، وفي الطبيعة ، وفي الجوهر . وهذا ما فهمه اليهود من هذا، لإنه لما سمعوه "إمسكوا حجارة ليرجموه" (يو 31:10) . وقد كرر السيد المسيح نفس المعنى مرتين مناجاته مع الآب ، إذ قال له عن التلاميذ : "أيها الآب أحفظهم في إسمك الذين أعطيتني ، ليكونوا واحدًا كما إننا واحد" (يو 11:17) . وكرر هذه العبارة أيضًا "ليكونوا واحدا" ، كما إننا لاهوت واحد وطبيعة واحدة .
وما أكثر العبارات التي قالها عن وحدته مع الآب .
مثل قوله : "من رآني فقد رأى الآب" (يو 9:14) .
وقوله للآب: "كل ما هو لي ، فهو لك . وكل ما هو لكن ، فهو لي" (يو 10:17) . وقوله عن هذا لتلاميذه : "كل ما للآب ، هو لي" (يو 15:16) . إذن فهو ليس أقل من الآب في شيء ، مادام كل ما للآب هو له .
وأيضًا قوله "إني أنا في الآب ، والآب فيَّ" (آية11:14؛ 38،37:10) ، وقوله للآب "أنت أيها الآب فيَّ ، وأنا فيك" (يو21:17) . وماذا يعني إن الآب فيه؟ يفسر هذا قول الكتاب عن المسيح إن "فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا" (كو9:2) .
إذن، ما معنى عبارة "أبي أعظم منى"؟ وفي أية مناسبة قد قيلت؟ وما دلالة ذلك؟
قال "أبي أعظم مني" في حالة إخلاءه لذاته .
كما ورد في الكتاب "لم يحسب خلسة إن يكون معادلًا لله . لكنه أخلى ذاته ، آخِذًا صورة عبد ، صائرًا في شبه الناس .." (في 7،6:2).
أي إن كونه معادلًا أو مساويًا للآب ، لم يكن أمرًا يحسب خلسة ، أي يأخذ شيئًا ليس له . بل وهو مساو للأب ، أخلى ذاته من هذا المجد ، في تجسُّده ، حينما أخذ صورة العبد . وفي إتحاده بالطبيعة البشرية ، صار في شبه الناس .
فهو على الأرض في صورة تبدو غير ممجدة ، وغير عظمة الآب الممجد . على الأرض تعرض لإنتقادات الناس وشتائمهم وإتهاماتهم ، ولم يكن له موضع يسند فيه رأسه (لو 58:9) . وقد قيل عنه في سفر إشعياء أنه كان "رجل أوجاع ومختبر الحزن . محتقر ومخذول من الناس . لا منظر له ولا جمال ، ولا منظر فنشتهيه" (إش 3،2:53) . وقيل عنه في آلامه أنه "ظُلِمَ ، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه" (اش7:53) .
هذه هي الحالة التي قال عنها "أبى أعظم مني" .
لإنه أخذ طبيعتنا التي يمكن إن تتعب وتتألم وتموت .
ولكنه أخذها بإرادته لأجل فائدتنا ، أخذ هذه الطبيعة البشرية التي حجب فيها مجد لاهوته على الناس ، لكي يتمكن من القيام بعمل الفداء . على إن إحتجاب اللاهوت بالطبيعة البشرية ، كان عملا مؤقتًا إنتهى بصعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب . ولذلك قبل إن يقول : "أبي أعظم منى" قال مباشرة لتلاميذه : "لو كنتم تحبونني ، لكنتم تفرحون لإني قلت إمضي إلى الآب ، لإن أبي أعظم مني" (يو 28:14) .
أي أنكم حزانى الآن لإني سأُصلَب وأموت . ولكنني بهذا الأسلوب : من جهة سأفدي العالم وأخلصه . ومن جهة أخرى ، سأترك إخلائي لذاتي ، وأعود للمجد الذي أخليت منه نفسي . فلو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون إني ماضٍ للآب . لإن أبي أعظم مني .
أي لإن حالة أبي في مجده ، أعظم من حالتي في تجسدي .
إذن هذه العظمة تختص بالمقارنة بين حالة التجسد وحالة ما قبل التجسد . ولا علاقة لها مطلقًا بالجوهر والطبيعة واللاهوت ، الأمور التي قال عنها "أنا والآب واحد" (يو 3:10) فلو كنتم تحبونني ، لكنتم تفرحون إني راجع إلى تلك العظمة وذلك المجد الذي كان لي عند الآب قبل كون العالم" . (يو 5:17) .
لذلك قيل عنه في صعوده وجلوسه عن يمين الآب أنه "بعدما صنع بنفسه تطهيرًا عن خطايانا ، جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب 3:1) .
وقيل عن مجيئه الثاني أنه سيأتي بذلك المجد الذي كان له .
قال أنه "سوف يأتي في مجد أبيه ، مع ملائكته . وحينئذ يجازي كل واحد حب عمله" (مت 27:16) . ومادام سيأتي في مجد أبيه ، إذن فهو ليس أقل من الآب .
وقال أيضًا أنه سيأتي "بمجده ومجد أبيه" (لو26:9) .
ويمكن إن تؤخذ عبارة "أبي أعظم مني" عن مجرد كرامة الأبوة .
مع كونهما طبيعة واحدة وللاهوت واحد . فأي ابن يمكن إن يعطي كرامة لأبيه ويقول "أبي أعظم مني" مع أنه من نفس طبيعته وجوهره . نفس الطبيعة البشرية ، وربما نفس الشكل ، ونفس فصيلة الدم . نفس الطبيعة البشرية ، ونفس الجنس واللون . ومع أنه مساوٍ لأبيه في الطبيعة ، إلا أنه يقول إكرامًا للأبوة : أبي أعظم منى .
أي أعظم من جهة الأبوة ، وليس من جهة الطبيعة والجوهر .
أنا -في البنوة- في حالة مَنْ يطيع .
وهو -في الأبوة- في حالة من يشاء .
وفي بنوّتي إطعت حتى الموت ، موت الصليب (في 8:2) .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نبات الزوفا

انا بكره امى 1

مكرم اسكندر